يقول الرسول الكريم ما معناه "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". أي أن الكلمة الطيبة أو الدعوة إلى السلام بين الإخوة طريق نحو المحبة.
ولأن الأمور تعرف بأضدادها فإن إفشاء الكراهية، من جهته، لا يؤدي إلا إلى كراهية مثلها. وبعض الناس ناجحون جدا في تأليب الناس ضدهم، دون أن يكون هناك داع ودون أن يطلب منهم أحد ذلك.
من أفضل النماذج على ذلك، معلق قناة بي إن سبورت حفيظ دراجي، الذي عرفه المغاربة معلقا شابا في القناة الجزائرية في الأيام الأولى لانتشار الفضائيات، وأحبه الكثيرون منهم، خصوصا أنه كان موضوعيا في الكثير من المباريات، حتى التي كانت تجمع المنتخبين المغربي والجزائري، كما أن طريقة تعليقه كانت مختلفة وثورية حينها.
إرث كبير من الإعجاب آثر دراجي أن يهدمه بجرّة "لوحة مفاتيح" وبتدوينات تطفح بالكراهية واللمز ضد المغرب والمغاربة في أكثر من مناسبة.
والغابة تحتاج أعواما كي تتشكل، لكن القضاء عليها لا يحتاج سوى عود ثقاب واحد، فإن الكراهية أيضا كذلك.
تكفي تدوينة واحدة كي تكرهك الشعوب، خصوصا إذا كانت هذه التدوينة تضرب في صميم وجدانهم وعرضهم وتراب بلدهم الغالي.
لقد كان دراجي يبدو حصيفا، رصينا، في السابق. وكان حريصا على ألا ينزلق لسانه بكلمات جارحة هنا أو هناك، لكنه فجأة تحول إلى شخص بغيض في عيون المغاربة لا يراعي الأخوة والجيرة التي فرضتها الجيولوجيا والتاريخ والدين واللغة.
تحوّل تزامن مع التحول الرسمي الجزائري الذي أصيب بلوْثة غريبة اسمها المغرب، في الوقت الذي لم يقدم المغرب سوى على خطوات الأخوة والدعوات للتقارب.. لكن مع من؟
تدوينة تلي تدوينة، أصبح تخصص دراجي تجريح المغاربة والسيادة المغربية، ولا أحد يعلم إن كان ذلك بإيعاز من جهة ما أم أن الرّجل قرر فجأة أن قمة الوطنية – بمفهومه – هي أن تصنع عدوا ثم تعمل على مهاجمته.
الغريب حقا هو أن أغلب الإعلاميين المغاربة الموجودين في قطر، سواء في قناة "بي إن" أو غيرها، رغم غيرتهم وحبهم لوطنهم، لم يحذوا حذوه، وتركوا السياسة لأهلها، على الأقل دون نقلها لمواقع التواصل ومعاداة شعب بكامله!
لن نستعرض مجموع التدوينات التي خطّها المذيع الجزائري من قلب قطر، لكن دعنا نطلّ على آخر ردّ لهذا الأخير ضمن تدوينة حول منع الوفد الإعلامي المغربي من تغطية ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران.
فقد كتب حفيظ أن الألعاب للرياضيين والفنيين والإعلاميين والإدرايين، "لا مكان فيها للمخابرات ورجال الأمن. من حق الجزائر أن ترفض دخول العسكر والبوليس".
ولو كان دراجي لا زال حصيفا وعاقلا لاطلع بسرعة على لائحة الإعلاميين المغاربة، الذين لا علاقة لهم بما ذكر إطلاقا طبعا، ولوَجدَ واحدا من بينهم كان قد استضافه يوما في بيته بالمغرب، وأكل معه "عيش وملح".. لكن، ما هو مؤكد أن ذاك درّاجي وهذا درّاجي آخر.. أو أن الرجل تعرّض لغسيل دماغ وذاكرة.. وأخلاق أيضا.
حبذا لو فعلها دراجي وترك السياسة للسياسيين، وأنهى مشوار استفزاز المغاربة وشراء كراهيتهم بآخر الأثمان.. فلا أحد يعلم ماذا يخفي الغد!